فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال النحاس: وهذا أصحّ؛ لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس، وقيل: هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} هذا من تمام الآية التي امتنّ الله بها عليهم، ووجه الامتنان أنه لم يغرقهم في لجج البحار مع قدرته على ذلك، والضمير يرجع إما إلى أصحاب الذرية، أو إلى الذرية، أو إلى الجميع على اختلاف الأقوال، والصريخ بمعنى: المصرخ، والمصرخ هو: المغيث: أي: فلا مغيث لهم يغيثهم إن شئنا إغراقهم، وقيل: هو المنعة.
ومعنى {ينقذون} يخلصون، يقال: أنقذه، واستنقذه، إذا خلصه من مكروه {إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا} استثناء مفرّغ من أعمّ العلل: أي: لا صريخ لهم، ولا ينقذون لشيء من الأشياء إلاّ لرحمة منا، كذا قال الكسائي، والزجاج، وغيرهما، وقيل: هو استثناء منقطع: أي: لكن لرحمة منا.
وقيل هو منصوب على المصدرية بفعل مقدّر {و} انتصاب {متاعا} على العطف على رحمة: أي: نمتعهم بالحياة الدنيا {إلى حِينٍ} وهو: الموت، قاله قتادة.
وقال يحيى بن سلام: إلى القيامة.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} أي: ما بين أيديكم من الآفات، والنوازل، فإنها محيطة بكم، وما خلفكم منها.
قال قتادة: معنى {اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} أي: من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم {وَمَا خَلْفَكُمْ} في الآخرة.
وقال سعيد بن جبير، ومجاهد: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما مضى من الذنوب {وَمَا خَلْفَكُمْ} ما بقي منها.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} الدنيا {وَمَا خَلْفَكُمْ} الآخرة، قاله سفيان.
وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما ظهر لكم {وَمَا خَلْفَكُمْ} ما خفي عنكم، وجواب إذا محذوف، والتقدير: إذا قيل لهم ذلك أعرضوا كما يدلّ عليه {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: رجاء أن ترحموا، أو كي ترحموا، أو راجين أن ترحموا {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايات رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} ما هي النافية، وصيغة المضارع للدلالة على التجدّد، ومن الأولى مزيدة للتوكيد، والثانية للتبعيض: والمعنى: ما تأتيهم من آية دالة على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى صحة ما دعا إليه من التوحيد في حال من الأحوال إلاّ كانوا عنها معرضين.
وظاهره يشمل الآيات التنزيلية، والآيات التكوينية، وجملة {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} في محلّ نصب على الحال كما مرّ تقريره في غير موضع.
والمراد بالإعراض عدم الالتفات إليها، وترك النظر الصحيح فيها، وهذه الآية متعلقة بقوله: {ياحسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي: إذا جاءتهم الرسل كذّبوا.
وإذا أتوا بالآيات أعرضوا عنها.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أي: تصدّقوا على الفقراء مما أعطاكم الله، وأنعم به عليكم من الأموال، قال الحسن: يعني: اليهود أمروا بإطعام الفقراء.
وقال مقاتل: إن المؤمنين قالوا لكفار قريش: أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله من أموالكم من الحرث والأنعام كما في قوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ للهِ الله مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيبًا} [الأنعام: 136]، فكان جوابهم ما حكاه الله عنهم بقوله: {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} استهزاءً بهم، وتهكمًا بقولهم: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} أي: من لو يشاء الله رزقه، وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون: إن الرّزّاق هو: الله، وأنه يغني من يشاء، ويفقر من يشاء، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين، وقالوا: نحن نوافق مشيئة الله، فلا نطعم من لم يطعمه الله، وهذا غلط منهم، ومكابرة، ومجادلة بالباطل، فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه، وأفقر بعضًا، وأمر الغنيّ أن يطعم الفقير، وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة.
وقولهم: {مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} هو وإن كان كلامًا صحيحًا في نفسه، ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله، أو إنكار جواز الأمر بالانفاق مع قدرة الله كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلًا.
وقوله: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} من تمام كلام الكفار.
والمعنى: إنكم أيها المسلمون في سؤال المال، وأمرنا بإطعام الفقراء لفي ضلال في غاية الوضوح والظهور.
وقيل: هو من كلام الله سبحانه جوابًا على هذه المقالة التي قالها الكفار.
وقال القشيري، والماوردي: إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة.
وقد كان في كفار قريش وغيرهم من سائر العرب، قوم يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع، فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين، ومناقضة لهم.
وحكى نحو هذا القرطبي عن ابن عباس.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} الذي تعدونا به من العذاب، والقيامة، والمصير إلى الجنة أو النار.
{إِن كُنتُمْ صادقين} فيما تقولون، وتعدونا به.
قالوا ذلك استهزاء منهم، وسخرية بالمؤمنين.
ومقصودهم إنكار ذلك بالمرّة، ونفي تحققه، وجحد وقوعه، فأجاب الله سبحانه عنهم بقوله: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} أي: ما ينتظرون إلاّ صيحة واحدة، وهي: نفخة إسرافيل في الصور {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ} أي: يختصمون في ذات بينهم في البيع، والشراء، ونحوهما من أمور الدنيا، وهذه هي النفخة الأولى، وهي: نفخة الصعق.
وقد اختلف القراء في {يخصّمون} فقرأ حمزة بسكون الخاء، وتخفيف الصاد من خصم يخصم، والمعنى: يخصم بعضهم بعضًا، فالمفعول محذوف.
وقرأ أبو عمرو، وقالون بإخفاء فتحة الخاء، وتشديد الصاد.
وقرأ نافع، وابن كثير، وهشام كذلك إلا أنهم أخلصوا فتحة الخاء، وقرأ الباقون بكسر الخاء، وتشديد الصاد.
والأصل في القراءات الثلاث يختصمون، فأدغمت التاء في الصاد، فنافع، وابن كثير، وهشام نقلوا فتحة التاء إلى الساكن قبلها نقلًا كاملًا، وأبو عمرو، وقالون اختلسا حركتها تنبيهًا على أن الخاء أصلها السكون، والباقون حذفوا حركتها، فالتقى ساكنان، فكسروا أوّلهما.
وروي عن أبي عمرو، وقالون: أنهما قرءا بتسكين الخاء، وتشديد الصاد، وهي قراءة مشكلة لاجتماع ساكنين فيها.
وقرأ أبيّ {يختصمون} على ما هو الأصل.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي: لا يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما له، وما عليه، أو لا يستطيع أن يوصيه بالتوبة، والإقلاع عن المعاصي، بل يموتون في أسواقهم، ومواضعهم {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} أي: إلى منازلهم التي ماتوا خارجين عنها.
وقيل: المعنى: لا يرجعون إلى أهلهم قولًا، وهذا إخبار عما ينزل بهم عند النفخة الأولى.
ثم أخبر سبحانه عما ينزل بهم عند النفخة الثانية، فقال: {وَنُفِخَ في الصور} وهي: النفخة التي يبعثون بها من قبورهم، ولهذا قال: {فَإِذَا هُم مّنَ الأجداث} أي: القبور {إلى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ} أي: يسرعون، وبين النفختين أربعون سنة.
وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي حيث قال: {ونفخ} تنبيهًا على تحقق وقوعه كما ذكره أهل البيان، وجعلوا هذه الآية مثالًا له، والصور بإسكان الواو: هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، كما وردت بذلك السنة، وإطلاق هذا الاسم على القرن معروف في لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
نحن نطحناهم غداة الغورين ** نطحًا شديدًا لا كنطح الصورين

أي: القرنين.
وقد مضى هذا مستوفى في سورة الأنعام.
وقال قتادة: الصور جمع صورة، أي: نفخ في الصور الأرواح، والأجداث جمع جدث، وهو: القبر.
وقرئ: {الأجداف} بالفاء، وهي لغة، واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة، والنسل، والنسلان: الإسراع في السير، يقال: نسل ينسل كضرب يضرب، ويقال: ينسل بالضم، ومنه قول امرىء القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

وقول الآخر:
عسلان الذيب أمسى قارنا ** برد الليل عليه فنسل

{قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} أي: قالوا عند بعثهم من القبور بالنفخة: يا ويلنا: نادوا ويلهم، كأنهم قالوا له احضر، فهذا أوان حضورك، وهؤلاء القائلون هم: الكفار.
قال ابن الأنباري: الوقف على {يا ويلنا} وقف حسن.
ثم يبتدىء الكلام بقوله: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول، وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نيامًا.
قرأ الجمهور {يا ويلنا} وقرأ ابن أبي ليلى {يا ويلتنا} بزيادة التاء.
وقرأ الجمهور {من بعثنا} بفتح ميم من على الاستفهام.
وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف جرّ، ورويت هذه القراءة عن عليّ بن أبي طالب.
وعلى هذه القراءة تكون من متعلقة بالويل، وقرأ الجمهور {من بعثنا}.
وفي قراءة أبيّ {من أهبنا} من هبّ نومه: إذا انتبه، وأنشد ثعلب على هذه القراءة:
وعاذلة هبت بليل تلومني ** ولم يعتمدني قبل ذاك عذول

وقيل: إنهم يقولون ذلك إذا عاينوا جهنم.
وقال أبو صالح: إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور، وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية، وجملة {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} جواب عليهم من جهة الملائكة، أومن جهة المؤمنين.
وقيل: هو من كلام الكفرة يجيب به بعضهم على بعض.
قال بالأوّل الفراء، وبالثاني مجاهد.
وقال قتادة: هي من قول الله سبحانه، و ما في قوله: {مَا وَعَدَ الرحمن} موصولة، وعائدها محذوف والمعنى: هذا الذي وعده الرحمن، وصدق فيه المرسلون قد حق عليكم، ونزل بكم، ومفعولا الوعد والصدق محذوفان أي: وعدكموه الرحمن، وصدقكموه المرسلون، والأصل وعدكم به، وصدقكم فيه، أو وعدناه الرحمن، وصدقناه المرسلون على أن هذا من قول المؤمنين، أو من قول الكفار {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} أي: ما كانت تلك النفخة المذكورة إلاّ صيحة واحدة صاحها إسرافيل بنفخه في الصور {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي: فإذا هم مجموعون محضرون لدينا بسرعة للحساب، والعقاب {فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ} من النفوس {شَيْئًا} مما تستحقه أي: لا ينقص من ثواب عملها شيئًا من النقص، ولا تظلم فيه بنوع من أنواع الظلم {وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: إلاّ جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا، أو إلاّ بما كنتم تعملونه أي: بسببه، أو في مقابلته.
وقد أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية قال: في سفينة نوح حمل فيها من كلّ زوجين اثنين {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} قال: السفن التي في البحر والأنهار التي يركب الناس فيها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي صالح نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} قال: هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يعني: الإبل خلقها الله كما رأيت، فهي: سفن البرّ يحملون عليها، ويركبونها.
ومثله عن الحسن، وعكرمة، وعبد الله بن شدّاد، ومجاهد.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي هريرة في قوله: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} الآية قال: تقوم الساعة، والناس في أسواقهم يتبايعون، ويذرعون الثياب، ويحلبون اللقاح، وفي حوائجهم، {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} وأخرج عبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن المنذر عن الزبير بن العوّام قال: إن الساعة تقوم، والرجل يذرع الثوب، والرجل يحلب الناقة، ثم قرأ {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} الآية.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتقومنّ الساعة، وقد نشر الرجلان ثوبهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة، وهو يليط حوضه، فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته، فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها» وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} قال: ينامون قبل البعث نومة. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد موته بالشهادة: {مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء} أي: لإهلاكهم: {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} قال الرازي: إشارة إلى هلاكهم بعده سريعًا، على أسهل وجه، فإنه لم يحتج إلى إرسال جند يهلكهم.
{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} أي: ما كانت العقوبة إلا صيحة واحدة من السماء هلكوا بها: {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ميتون كالنار الخامدة، رمزًا إلى أن الحي كالنار الساطعة في الحركة والالتهاب، والميت كالرماد، كما قال لَبِيد:
وَمَاْ المَرْءُ إِلَّاْ كَالشِّهَاْبِ وَضَوْئِهِ ** يَحُوْرُ رَمَاْدًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاْطِعُ

تنبيه:
ات:
الأول- قال ابن كثير: روي عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وإن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلًا من عند المسيح عيسى عليه السلام، كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن أحد من متأخري المفسرين، غيره. وفي ذلك نظر من وجوه:
أحدهما- أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عز وجل، لا من جهة المسيح عليه السلام، كما قال تعالى: {إِذْ أرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} ولو كان هؤلاء من الحواريين، لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام. والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: إن أنتم إلا بشر مثلنا.
الثاني- أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللائي فيهن بطاركة، وهن: القدس؛ لأنها بلد المسيح، وأنطاكية؛ لأنها أول بلدة أمنت بالمسيح عن آخر أهلها، والإسكندرية؛ لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البطارقة والأساقفة والشمامسة والرهابين، ثم رومية؛ لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطده، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البطرك من رومية إليها- كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم- كسعد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين- فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم.